عبد السلام ياسين

عبد السلام ياسين (4 ربيع الثاني 1347 هـ / 19 سبتمبر 1928 - 28 محرم 1434 هـ / 13 ديسمبر 2012) وبالكامل عبد السلام بن محمد بن سلام بن عبد الله بن إبراهيم المرشد العام ومؤسس أكبر الجماعات الإسلامية المغربية جماعة العدل والإحسان، وموظف سابق في وزارة التربية بالمغرب، ومدرس فأستاذ فمفتش ثم داعية إسلامي، اشتهر ياسين بمعارضته الشديدة لنظام حكم الملك الحسن الثاني عندما وجّه له سنة 1974 في أوج سنوات الرصاص رسالة نصح بعنوان الإسلام أو الطوفان. ابنته هي الناشطة الإسلامية نادية ياسين. له العديد من المؤلفات في السياسة والدين

المولد والأسرة

كان مولده صباح يوم الإثنين الرابع من ربيع الثاني سنة 1347 هجرية الموافق للسابع عشر أيلول 1928م كان والده فارساً من فرسان قبيلة أيت زلطن ينتمي إلى أسرة شهيرة في الجنوب تدعى آيت بهي، وهي التي كان لها صيت وذكر في تاريخ المغرب، كان من رجال هذه الأسرة – وهم أشراف أدارسة أصلهم من ناحية بلدة تسمى أولوز بل من أشهرهم القائد عبد الله ولد بهي الذي كانت له الرئاسة على اثنتي عشرة قبيلة وكان له أعمام وأقرباء رؤساء، فلما قتله السلطان محمد بن عبد الرحمن، ظلت الأسرة تحت وطأة الملاحقات.  كان والد عبد السلام يعمل فلاحاً ثم خرج من بلده حاحا مضطرّاً لِما كان يحيط به وبأسرته عامة من مؤامرات مخزنية - المخزن رمز للسلطة المستبدة في تاريخ المغرب - فقد أُخبر بأن القائد عزم على اغتياله فكان من أمره أن خرج اتقاءَ المكيدة، واستقر آخر الأمر في مراكش وتزوج على كِبَر وقد تجاوز الخمسين من ابنة عمومته الحاجة رقية بنت أحمد.  نشأ عبد السلام ياسين في بيئة بدوية وحضرية في آن واحد فعلى الرغم من إقامة الأسرة الصغيرة بمدينة مراكش، فقد كان اتصالها بالبادية مستمراً، وكان الطفل يتردد على البادية ويرى كيف يعيش الناس فيها قريبين إلى الفطرة، مندمجين في حياة منسابة لا تعوقها حواجز المدينة ومنغصاتها الاجتماعية وكان لاتصال الطفل بالبادية وأجوائها البيئية والاجتماعية، أبلغ التأثير في حياته.  كان عبد السلام ياسين وحيد والديه بعد وفاة أخته الكبرى ومع هذا وذاك، كان يكابد في طفولته أمراضاً كثيرة تركت جروحاً غائرة في أعطاف ذاته قال موضحاً:     عبد السلام ياسين نشأت في أمراض متعددة كثيرة في حضن أسرة بدوية التكوين على كل حال، قليلة الوسائل. كان التطبيب بالنسبة إليها أعشاباً من هنا وهناك، فمررت في طفولتي بأمراض شديدة.    عبد السلام ياسين وعلى لسانه مرة أخرى تتدفق معاني الإيمان الراسخ في وجدان الطفولة حيث قال:     عبد السلام ياسين كان جَد والدتي من أمها جميعاً مؤذناً في قريته. فمنذ عقلتُ وأنشودة شلحيَّةٌ تداعِبُ أذني. لا يزال رَنينها في أسماعي إلى الآن. لا يزال حنان الأم ولُطفُ العناية ممتزجا بالنغمة والكلمة والوزن والإيقاع. سمعت الجدة من المؤذن، وسمعت الأم من الجدة، وسمعتُ ووَعيتُ

في المدرسة القرآنية

تعلم عبد السلام ياسين على يد رجل عالم مجاهد تعلم منه تعاليم الإسلام الأولى في حياته، وكان الرجل هو العلامة محمد المختار السوسي الذي كان يمتاز بالعلم والتقوى والاستقامة والصلاح والذي أسس بعد رجوعه من مدينة فاس مدرسةً في الحي ذاته الذي كان به بيت الطفل عبد السلام، فكانت محضناً لتعليم وتربية الشباب الذين كانوا يجمعون بين طلب العلم والدفاع عن استقلال الوطن.  كان الطفل عبد السلام يدرج مع الصغار بين أيدي تلامذة العالم السوسي، يلقنونهم كُنه العلم ويعلمونهم القرآن الكريم ثم شيئاً فشيئاً ومنذ السنوات الأولى صاروا يلقنونهم أيضاً مبادئ اللغة العربية فكان ذلك التكوين المزدوج يومئذ جديداً على الناس إذ المعهود أن المدرسة القرآنية لم تكن تلقن إلا القرآن الكريم حتى يحفظه المتعلم.  كتب عبد السلام ياسين لاحقاً موضحاً الأثر الخلقي والعلمي للعلامة السوسي:     عبد السلام ياسين قام في الحمراء على قدَم وساق، وأسس مدرسته بالرميلة، ودأَبَ على عقد لقاءاتٍ وندوات يتبارى فيها تلامذتُه وأصدقاؤُه في اقتطاف زهور جنانه الأدبية، ويُحْضِرُ الصبية من أمثالي دون السابعة ليُعَرِّضوهم في السنِّ الغضَّة لغيوثه الهامعات السواكب، وليعلموهُم بالمثال الحيِّ سَمْتَ المتخلقين بأخلاق الإسلام، حضرت مرة أو أكثرَ مجالسه في عرصَةٍ بظهر مسجد الكتُبية لا أذكرُ فلعل سني يومئذ دون السابعة فلم يبق في ذاكرتي إلاَّ سَمْتُ الفقيه في سلهامه الأبيض، وجدِّيّةِ ملامحه، ثم عَطفُه الرقيق علينا نحن الكتاكيت.   عبد السلام ياسين انطبع في ذاكرة عبد السلام ياسين صورة الفقيه النظيف اللطيف البشوش، كما انطبع في عقله أن الفقيه شخصية ودود قال عبد السلام ياسين:«كنا نتحلق حول الفقيه صبية مَرِحين ضاحكين صارخين آبّانا! فيدخل الفقيه في اللعبة ويجيب آوْلِداتي! ولا أذكرُ هل كان يَنْفحنا أيضاً ببعض الحلوى ولعله كان يفعل رحمه الله وأغدق عليه من كرامته، ورحم تلامذتَه أساتِذتَنا البَرَرة. آمين
التعليم
كانت علامات النبوغ والتفوق على موعد مع الغلام الذي ملأ صدره بآيات وسور القرآن العظيم، وهذب لسانه بقواعد اللغة العربية وصار يقرض الشعر وهو في سن الثانية عشرة. بدأ يتطلع بل يخطو خطوات حثيثة إلى الاستزادة من العلم مما دفع عمه سعيد إلى تأييده وحثه على ولوج معهد ابن يوسف - ذكر عبد السلام ياسين أن عمه سعيداً المتعلم الوحيد من بين أعمامه - هو الذي شجعه على الالتحاق بمعهد ابن يوسف لما رأى من حفظه للقرآن الكريم وإلمامه باللغة العربية، الذي كان معهدا دينياً تابعاً لجامعة القرويين وكان مديره العالم ابن عثمان ومراقب الدروس فيه العلامة بورقبة الذي استشهد عند الاستقلال.  كان على الغلام أن يَمثُل أمام لجنة امتحان لتحديد حصيلته من القرآن الكريم وحظه من اللغة العربية، ذكر عبد السلام«أن العالمين الجليلين امتحناه امتحاناً دقيقاً فتبين لهما أنه جدير بأن يطوي ثلاث سنوات من التعليم الابتدائي مرة واحدة، لينتقل إلى المرحلة الثانوية مباشرة.» في المعهد قضى عبد السلام نحو أربع سنوات متميزاً بين أقرانه بحكم ما كان يتمتع به من التمكن في اللغة العربية، ثم صار في نهاية تلك المرحلة منشغلاً بتعلم اللغات الأجنبية شغوفاً بقراءة ما يقع في يده من كتب ومجلات، وهو حينئذ يخطو نحو التاسعة عشرة من عمره.  لما أكمل عبد السلام ياسين السنوات الأربع في معهد ابن يوسف بتفوق، تقدم لاجتياز مباراة توظيف المعلمين، فكان نجاحه فيها وسيلة متميزة للانفتاح على عالم جديد واستئناف مسيرة التعلم الذاتي، فقد وجد في الانتقال من مراكش إلى الرباط فرصة سانحة لتوسيع مداركه من خلال ما أتاحته له داخلية مدرسة مولاي يوسف من تعارف وتواصل وتلاقح مع تلاميذ قدموا من مناطق شتى خاصة في أوقات الاستراحة وقاعات المطالعة، فكان لعامل التنافس الأثر الأكبر في صقل قدراته ومعارفه، لم يمنعه إقباله القوي على تعلم الفرنسية من الاندفاع نحو تعلم لغات أخرى مثل الإنجليزية واللاتينية خاصة بسبب ما كان يشهده لدى التلامذة الآخرين المهيئين للتعليم الفرنسي من رعاية وتقدير الأجانب المستعمرين مقابل ما يلقاه التلامذة المعدون لتعليم اللغة العربية من احتقار واضح، ولما رحل صحبة والدته - في نهاية دراسة عبد السلام بمدرسة المعلمين سنة 1947 توفي والده - من مراكش إلى مدينة الجديدة ليباشر التدريس في مدرسة ابتدائية، واصل جهوده العلمية والتكوينية فتمكن من أن يطوي في سنوات قليلة جداً مراحل الدراسة في معهد الدروس العليا للدراسات الإسلامية في الرباط ثم ما لبث أن حصل على شهادة أهلته ليصير أستاذاً للغة العربية والترجمة بمراكش، فمفتشاً بالتعليم الابتدائي بعد ثلاث سنوات من التدريس

اليقظة القلبية

قال ياسين:«ما منَّا إلا من كانت له في طريقه إشارات إلهية، وأسباب دبرها الله عز وجل الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، كي تكون صُوى في طريقه.» في سنة 1965 وفي غمرة التفوق المهني والارتقاء الاجتماعي، كان ياسين على موعد مع تحول كبير عبر عنه لاحقاً في كتاب الإحسان قائلاً:     عبد السلام ياسين كنتُ قد شارفت الأربعين عندما تداركني الرؤوف الرحيم بالمؤمنين بهَبة ويقظة، فهام الفؤاد، وغلب التفكير في المبدأ والمعَاد، فوجدتني محمولاً على الطلب مدفوعاً إليه. كيف السبيل إليك يا رب؟ وعَكفت على كتب القوم، فما منهم إلا من صرفني للبحث عن الرفيق قبل الطريق. بِمن أَستنجد يا رب غيرك؟ وشككت وترددت: أَهُو شرك مع الله؟ لكنني بَعد أن استغرقْت في العبادة والذكر والمجاهدة والتلاوة زماناً، تبيّنتُ أن طلب ما عند الله هو غير طلب وجه الله. الأعمال الصالحة إن كان فيها الإخلاص وقَبِلها الحنان المنان تُنيل الجنان. لكن أي شيء يرفعني إلى مقامات الإحسان وَفسحات العرفان؟ واشتد بي الأسى، وعِفْتُ نفسي، وتضرعت وبكيت عليه، هو الملك الوهاب. وأتحفتني ألطافُهُ بلقاء عارف بالله رباني صحبته أعواماً رحمه الله. وفَهمت منذئذ ما معنى كون الطريق مسدوداً، ولِمَ هذه السدود، وكيف اختراقها، وأين، ومتى، وأيَّانَ! لله الحمد والمنة، ولأهل الله الناصحين خلق الله، لا يخافون في النصيحة غير الله، ولا يرجون إلا الله، الشكر الخالص. لا إله إلا الله محمد رسول الله. عبد السلام ياسين وقد تحدث ياسين عن سيرة شيخه الحاج العباس بن المختار البودشيشي وشيخه من قبل السيد بومدين:     عبد السلام ياسين الحاج العباس رحمه الله ينتمي إلى أسرة قادرية يعني من أسرة تنتمي إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله، كان رجلاً فلاحاً، وكان فلاحاً ناجحاً في شبابه وكهولته الأولى، وأخبرني رحمه الله بأنه كان أبعد الناس عن الاهتمام بالسلوك الصوفي لأنه نشأ في الزاوية، كان أبوه وجده وجد جده والسلسلة طويلة، كانوا مشايخ طريقة، فكان هو يعرف أن الطريقة شيء ورث عن الأجداد وكفى، ولكنه التقى بشيخه وشيخنا جميعاً بالتالي السيد بومدين، وهو ابن عمه، وكان سيدي بومدين هذا رحمه الله رجلاً مقرئاً يقرئ القرآن، كان مدرراً، كان يعلم القرآن، لكنه أمضى حياة طويلة طويلة طويلة في البحث عن شيخ يربيه. فلما حصل على ما يصبو إليه الرجال رجع إلى بلدته، فيحكي لي الحاج العباس رحمه الله أنهم لما جاءهم هذا الرجل وهو ابن عمهم ظنوا أنه جاء ينافسهم في الطريقة، أنه جاء ليأخذ زمام الزاوية، لم يكونوا يفرقون بين رجل بحث حتى عرف الله وبين رجل ورث عن آبائه طريقة فهو يعطي أورادا هكذا. فبصحبته لهذا الرجل اكتشف شيئا فشيئا أنه لا بد له أن يبحث عن شيخ يربيه، وهذا الرجل ابن عمه كان رجلاً عرف الله عز وجل فهو مؤهل لكي يأخذ بيده، فلجأ إليه وطلب إليه الصحبة فكان ما كان، وقبيل أن يتوفى الله أبا مدين عهد إلى الشيخ العباس من بعده أن يكون قدوة لمن يريدون السلوك إلى الله سبحانه وتعالى. عبد السلام ياسين ظل ياسين يذكر نعمة الله وفضله:«ذهبت عند شيخي رحمه الله، السيد الحاج العباس القادري البوتشيشي، فأعتبر أن لقائي به كان ميلادي الحقيقي بعد الميلاد الجسمي، والميلاد الجسمي يشترك فيه الإنسان والحيوانات، لكن ميلاد الروح هو الشيء الذي يميز الإنسان الحق، الإنسان الموعود بالكرامة من الله عز وجل من غيره، وجدت أن الحق مع الصوفية كما وجده الغزالي؛ ولا أقف لأعتذر وأتواضع وإنما أذكر نعمة الله عليّ، وما وهبني من رحمة، وما علمني من علم بصحبة أهل الله، فله الحمد والشكر، شكراً يزيدني به علماً ورحمة. وأذكر نعمة الله عليَّ في الملإ لأنه وهبني بعد وفاة شيخي منذ ثلاث سنوات ما يقصده المريدون من الصحبة